الخطبة الأولى: الحمدُ للهِ الذي جعلَ الزكاةَ أحدَ أركانِ الإسلامِ، وأوجبَهاَ في مالِ الأغنياءِ وجعلَهاَ طهرةً لهم من البخلِ والشحِ والآثامِ، ومواساةً لذوي الحاجةِ من الفقراءِ والأراملِ والأيتامِ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعدُ: فاتقوا الله -تعالى- القائلَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. أيها المسلمون: اعلموا أنَّ مقامَ الزكاةِ في الإسلامِ عظيمٌ، فهي ثالثُ أركانِ الإسلامِ وهي قرينةُ الصلاةِ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، قال اللهُ -عز وجل-: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]. وفي حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنهُ- في الصحيحينِ وفيهِ: " ولا صاحبَ إبلٍ لا يؤدي منها حقَّها، ومِنْ حقِّها حلبُها يومَ وردِها إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطحَ لهاَ بقاعٍ قَرْقَرٍ أوفرُ ما كانت، لا يفقدُ منها فصيلًا واحدًا، تطؤُهُ بأخفَافِها، وتعضُّه بأفواهِها، كُلَّماَ مرَّ عليه أولُها رُدَّ عليهِ آخرُها، في يومٍ كانَ مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةِ، حتى يُقضى بينَ العبادِ، فيرَى سبيلَه إما إلى الجنةِ وإما إلى النار ".
الشرطُ الرابعُ: أنْ تبلغَ النصابَ الشرعيَّ، والذي يؤخذُ في زكاةِ الإبلِ الإناثُ دونَ الذكورِ إلاَّ ابنَ اللبونِ إذا عُدمتْ بنتُ المَخاضِ؛ لحديثِ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- ويجزئُ الذكرُ إذا كانَ المالُ كلُّهُ ذُكورًا، سواءً كانَ منْ إبلٍ، أو بقرٍ، أو غنمٍ؛ لأنَّ الزكاةَ مواساةٌ فلا يَتَكلَّفُها من غيرِ مالهِ. والشاةُ التي تُؤخذُ في زكاةِ الإبلِ، وكذلكَ في جُبرانِ زكاةِ الإبلِ إن كانتْ أُنثى فجذعةٌ من الضأنِ أو ثنيةٌ من المعزِ، وما فوقَ ذلكَ أجزأتْ بلا نزاعٍ. والجذعةُ ما لها ستةُ أشهرٍ، والثنيَّةُ ما لها سنةٌ. أماَّ الذكرُ فيحتملُ أنْ يُجزئَ لصدْقِ اسمِ الشاةِ عليِه، وهو المعتمدُ عند المالكيةِ، والأصحُّ عندَ الشافعيةِ. وإنْ تطوَّعَ المُزكِّي فأخرجَ سِنًّا أعلى من السنِّ الواجبِ، مثْلُ أنْ يُخرجَ بنتَ لبونٍ عن بنتِ مَخاضٍ، أو حُقِّةً عن بنتِ لبونٍ، جازَ ذلكَ. ويُخرجُ عن إبلِهِ من جنسِها، فيُخرجُ عن البَخاتيِّ بُخْتيَّةً، وعن الأعرابياتِ أعرابيةً، وعن الكرامِ كريمةً، وعن السمانِ سمينةً، وعن اللئامِ، والهزالِ لئيمةً هزيلةً، فإنْ أخرجَ عن البَخاتيِّ عربيةً بقيمةِ البُختيَّةِ جازَ؛ لأنَّ القيمةَ مع اتحادِ الجنسِ هيَ المقصودُ، ويُشترطُ فيماَ يُخرجُ زكاةً أربعةُ شروطٍ، وهي: سنُّها، وأنْ تكونَ أنثى إلا بعضَ الإستثناءاتِ، وأن لا تكونَ معيبةً بما يمنعُ الإجزاءَ في الإضحيةِ، وأن تكونَ من الوسطِ لا جيدةً ولا رديئةً.